عمر بهاء الدين الاميري
شاعر المحاريب، شاعر الإنسانيّة المؤمنة، عميد الشعر الإسلامي المعاصر، شاعر مؤمن ملتزم، غزير الإنتاج، ومفكر إسلامي فذ، مهتم بالحضارة الإسلاميّة.
ولد في مدينة حلب، ونشأ في أسرة متديّنة، وكان أبوه أحد وجهاء المدينة وفضلائها .
توهّجت مشاعره الوجدانيّة وتأجّجت وهو طفل في مرابع الشهباء الجميلة بشكل عفوي طفولي، فانبثق عن ذلك ما كان يحسبه شعراً.
سافر إلى فرنسا بعد إنهائه المرحلة الثانويّة، والتحق بجامعة السوربون ليدرس الأدب وفقه اللغة، فلما عاد إلى سوريّة، اشتغل بالتدريس والمحاماة بعد حصوله على شهادة الحقوق من الجامعة السوريّة بدمشق .
نظم الشعر بعفويّة وتلقائيّة، متأثّراً بمدرسة القرآن الكريم، وإشعاع الرسول الأمين (ص)، وعظماء الأمّة، ومن أحب من الشعراء .
امتاز شعره بالجرأة والصراحة، ونقد الأوضاع الشاذّة، وحمل على طغاة الأمّة ومستبديها، وحمّلهم مسؤوليّة الانتكاسات والهزائم التي أصيبت بها الأمّة، كما امتاز بالحس الوجداني المرهف، واتسم بالعمق والأصالة، والسموّ الروحي، واهتم بقضايا أمّته ومشكلاتها، وكان يرى أن الإسلام وحده طريق الخلاص بعد سقوط كل الشعارات والأيديولوجيات والوجوه المستعارة .
تأثر بفكر الإمام الشهيد حسن البنا، وطريقته الإصلاحيّة، وانتسب إلى (جماعة الإخوان المسلمين) وتولّى مناصب قياديّة فيها، وهي لا تزال في مرحلة التأسيس، واختير عضواً في مكتب الإرشاد للجماعة سنة 1367/1948 .
وكان يثني على هذه الجماعة وعلى مؤسّسها، ويرى أنها الحركة الإسلاميّة التي تتوافر فيها المواصفات المطلوبة للنهوض بالأمّة الإسلاميّة من كبوتها، وتحرّرها من ربقة الاستعمار .
وكان متفائلاً بمستقبل هذه الحركة حيث يقول: إن المستقبل لهذه الحركة الإسلاميّة إذا توفّر لها الفهم الصحيح للإسلام، والقيادة الحكيمة الرشيدة، والعاملون المخلصون .
وكان على صلة طيّبة بالرئيس السوري شكري القوتلي .
عمل سفيراً لبلاده في دولة باكستان الإسلاميّة عام 1369/1950 ثم سفيراً في المملكة العربيّة السعوديّة عام 1373/1954 .
وكان قد تطوع في جيش الإنقاذ، سنة 1367/1948 مقاتلاً في كتيبة الأخوان المسلمين السوريّين، وحمل مطالب الأخوان إلى حكومة جميل المدفعي في بغداد، التي تضمنت زيادة عدد القوات العراقيّة المشاركة في حرب فلسطين، وضرورة التحرك خارج حدود التقسيم، وإقصاء اليهود من الجبهة الوطنيّة لتحرير فلسطين التي تشكّلت في بغداد . وعايش القضيّة الفلسطينيّة، واكتوى بنارها، واتصل بمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وكان يلتقي به في لبنان، نيابة عن المجاهدين السوريّين، وكانت القضيّة الفلسطينيّة هاجسه اليومي، فجّرت أغواره الشعريّة، فجاءت قصائده الفلسطينية متأججة بالعواطف، حيث سجل أحداثها وملاحمها، على شكل مجاميع شعرية منها: (ملحمة الجهاد) 1388/1968 ، و(من وحي فلسطين)1390/1971 ، و(ملحمة النصر) 1394/1974 ، و(الزحف المقدس) و(حجارة من سجّيل) و(الأقصى وفتح القمة) و(الهزيمة والفجر) .
تفاعل مع الثورة الجزائريّة، وبناء باكستان، والمسيرة المغربيّة الخضراء، وعبّر عن المشاعر الإنسانيّة، وهموم المسلمين والمعذّبين .
وكان يدعو إلى إسقاط الحكومات المهزومة، وإلى رفع راية الثورة على الأنظمة المتخاذلة ، ويتناول فساد الإدارة الحكوميّة في سوريّة، وسيطرة الطبقيّة والتخلّف، في افتتاحيّات جريدة (المنار) التي كان يحرّر بها سنة 1367/1948
دعي إلى المغرب لتدريس الحضارة الإسلاميّة بكليّة الآداب بجامعة محمد الخامس في مدينة فاس، ثم أستاذاً لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة، في دار الحديث الحسنيّة، وقسم الدراسات الإسلاميّة والعليا في جامعة الرباط، والقرويّين سنة 1386/1966 .
وصف المعركة الحاليّة بأنها معركة تحوّل الخط الحضاري الإنساني، من السامريّة اليهوديّة، إلى الربانيّة الإسلاميّة، واتّساع هذه المعركة في الزمان والمكان والإنسان، يوضّح لنا ويعلل لنا سبب شدّتها وضراوتها، فالمقصد الأعلى والهدف الأسمى ليسا من الأمور اليسيرة السهلة المنال، ولكنهما تحقيق أمر الله، وإقامته في العالمين .
وتأمّل ساحة العالم الإسلامي بتفاؤل، فلمس تحرّك الإنسان المسلم وتحرّقه إلى أن يستعيد مكانه، ويستزيد من معطيات دينه، ويستفيد من حصيلة العلوم التي وصلت إليها البشرية ورأى أن يقظة هذا الإنسان المسلم، وتحركه نحو استعادة شخصيته، واسترجاع ذاتيّته وتصميمه الجازم، على أن يمارس ذاته المسلمة، هو نقطة التحوّل الكبرى .
والحضارة عنده تحقيق غرض الوجود البشري في إعمار الأرض وفق نواميس الله بأسمى شكل تتجلى فيه إنسانيّة الإنسان الخليفة .
أما الفقه الحضاري فقد جعل له عناصر أربعة هي: الاستيعاب الحضاري، والنظر الحضاري، والإدراك الحضاري، والسلوك الحضاري، أما الحضارة الغربيّة فقد أتى عليها من القواعد نقداً وتعريةً وإبرازاً، لتعارضها مع الحضارة الإسلاميّة جمالياً وإنسانياً، بقلم عالم متمكّن من اللغة الفرنسيّة، ومعرفة عميقة بالمجتمع الفرنسي، وإحاطة بمعطيات الحضارة الغربيّة الماديّة .