أول فيلم عن حياة حليم موعود بالأزمات
وكأنه موعود بالعذاب حتى بعد رحيله، انه عبد الحليم حافظ الذي نحتفل هذه الأيام بمرور ربع قرن على رحيله، فمنذ ان ذاق حليم طعم النجاح، وصعد أولى سلالم المجد حتى كان المرض والألم له بالمرصاد «أول ما نجح نزف» على حد تعبير الكاتب والسيناريست محفوظ عبد الرحمن الذي انتهى من كتابة اول فيلم سينمائي عن حياة العندليب يتضمن رحلته ومشواره مع النجاح والألم. عشاق عبد الحليم الذين عرفوا بالخبر شعروا بسرور جارف، فهم في شوق لمن يجدد ذكرى مطربهم المفضل بشكل لائق وأصيل، وتضاعف سرورهم لان كاتب الفيلم هو محفوظ عبد الرحمن، الذي حقق نجاحا باهرا في دراما المشاهير، خاصة بعد فيلمه عن عبد الناصر «ناصر 56» ومسلسله عن كوكب الشرق ام كلثوم الذي ما زال يثير الجدل والاعجاب حتى اليوم. كان محفوظ عبد الرحمن يظن ان النجاح الهائل لمسلسله عن أم كلثوم سيفتح أمامه الأبواب الموصدة، وسينال بسببه رضا وثقة عائلات وورثة الشخصيات الشهيرة ـ المعاصرة منها على وجه الخصوص ـ التي ينوي الكتابة عنها، ولكنه كان متفائلا على ما يبدو أكثر من اللازم وظنه لم يكن في محله. قبل نحو 4 سنوات عندما اعلن محفوظ عبد الرحمن عن نيته في كتابة فيلم عن حياة عبد الحليم حافظ، اتصل به ورثته واعلنوا غضبهم من خلال الصحافة، وهددوا وتوعدوا، وطلبوا ان تتم الكتابة من خلالهم خشية أن يسيئ الفيلم الى سيرة عبد الحليم، ويقدمه بصورة لا يرضون عنها أو يتدخل في مناطق لا يودون الحديث فيها. وكانت هناك تهديدات صريحة باللجوء الى القضاء لوقف العمل ومنعه من الظهور، وانشغل محفوظ بمسلسله عن أم كلثوم، وتفرغ له واستطاع أن ينجزه رغم التهديدات والانذارات من ورثتها التي وصلت الى 16 انذارا متوالية تطالبه بالرجوع الى الأسرة للحصول على الموافقة والمباركة، ولم يستجب محفوظ وأصر على ألا يكون هناك رقيب عليه، له حق الحذف والتبديل والاضافة. وحقق المسلسل ما نعرفه من نجاح، وفتح هذا النجاح شهيته لاخراج مشروعه القديم عن حليم من الادراج، واستكماله، وتجددت المناوشات، وطلبت الأسرة من جديد أن تقرأ السيناريو، ورفض محفوظ، كما يحكي «طلب مني المرحوم محمد الدسوقي ابن شقيقة ام كلثوم نفس الطلب، ورفضته بحسم، وقلت لن يقرأ أحد مهما كان ورقة مما أكتب، والقانون يعطيني هذا الحق، فبنوده تقول ان من حقي ان اكتب عن الشخصية التي اختارها، ومن حق الورثة ان يمنعوا العمل اذا وجدوا فيه ما يسيئ، أو يشوه، أو يقول ما لم يحدث، وأنا والحمد لله لا اعتمد على شائعات، أو تخمينات، ولا ابني سيناريوهاتي التاريخية علي استنتاجات، بل على وثائق وأدلة وبراهين، وشهادات مؤكدة لا تقبل الشك والبطلان، ثم انني من عشاق أم كلثوم، ومن عشاق عبد الحليم ولا يمكن ان أسيئ اليهما، وهل يسيئ عاشق الى معشوقته». قرأ محفوظ عبد الرحمن كل ما كتب عن العندليب، الكتب التي صدرت عنه، والمقالات التي تناولته، والاحاديث التي أدلى بها، وجلس مع رفاق رحلته، ومع بعض افراد أسرته، حتى يستوثق من معلوماته وأحداثه، وطرح الشائعات جانبا، ولم يورد شيئا لم يثبت عليه دليل، بما في ذلك قصة زواجه من سعاد حسني، يقول محفوظ «في الفيلم قصة حب واحدة، هي التي أجمعت عليها الروايات، وهي العلاقة التي ربطت حليم و«ديدي»، وكاد أن يتزوجها، وكان صادقا في حبه، وفي عرضه بالزواج، أما سعاد حسني فمسألة الزواج ما زالت محل شك، ولم تبرز سعاد ورقة الزواج، ولم تحدد الشهود، وحتى وان صرحت بالزواج في حديث عابر، فهو أمر لا يعتد به، ما لم يثبت رسميا وفعليا». أحداث الفيلم تتناول مشوار حليم منذ بداية ثورة يوليو 1952 حتى رحيله عام 1977، وهي الفترة التي شهدت صعوده، وسنوات مجده، وتألقه، حيث ارتبط اسمه بالثورة وزعيمها، واصبحت اغنياته الوطنية هي تأريخ للثورة وانجازاتها ونجاحاتها وانكساراتها، الى الحد الذي جعل نزار قباني يقول «ان حليم قاد شعبا بصوته». الفيلم اذن سيتناول 25 عاما من حياة عبد الحليم حافظ، وهي مدة طويلة الى حد كبير على فيلم لا يزيد زمنه على ساعتين، ولكن مؤلفه يرى انه لا يقدم سردا، بل اختيارا دقيقا لخطين متوازيين تسير فيهما الاحداث، هما الصعود والنجاح الساحق، في مقابل العذاب والمرض.