ابن زهر
أبو مروان عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن مروان، (464-557هـ) = (1072 ـ 1162م)، المعروف بابن زهر الاشبيلي، طبيب نطاسي عربي معروف في الأندلس من أهل إشبيلية، من أسرة عريقة في العلم، اشتغل أبناؤها بالطب والفقه وتولوا الوزارة وهو أستاذ الفيلسوف ابن رشد.وكان معتدل القامة قوي البنية وصل إلى الشيخوخة ولم تتغير نضارة لونه وخفة حركاته وانما عرض له في آخر أيامه ثقل في السمع. كان ابن زهر يحفظ القرآن، وسمع الحديث واشتغل بعلم الأدب والعربية ولم يكن في زمانه أعلم منه باللغة. لـه موشحات يغنى بها وهي من أجود ما قيل في معناها.
كان قوي الدين ملازماً لحدود الشرع محبا للخير مهيباً جريئاً فاق جميع الأطباء في صناعة الطب فشاع ذكره وطار صيته. خدم ابن زهر دولتي الملثمين والموحدين وذلك أنه أدرك دولة الملثمين ولحق بخدمتهم مع أبيه في آخر دولتهم ثم خدم دولة الموحدين وهم بنو عبد المؤمن وذلك أنه كان في خدمة عبد المؤمن هو وأبوه وفي أيام عبد المؤمن مات أبوه وبقي هو في خدمته ثم خدم ابن عبد المؤمن أبا يعقوب يوسف ثم ابنه يعقوب أبا يوسف الذي لقب بالمنصور، ثم خدم ابنه أبا عبد اللّه محمد الناصر وفي أول دولته توفي أبو بكر بن زهر. ألف أبو بكر بن زهر الترياق الخمسيني للمنصور أبو يوسف يعقوب.
كان المنصور صاحب الأندلس شديد الكراهية للفلسفة القديمة فأمر أن لا يشتغل بها أحد وأن تجمع كتبها من الأيدي وأشاع أن من وجد عنده شيء منها نالـه ضرر فصدع ابن زهر بالأمر وقام بما عهده إليه ولكن كان بإشبيلية رجل يكرهه جد الكراهية فعمل محضرا وأشهد عليه جمهورا من الناس بأن الحفيد أبا بكر بن زهر لديه كثير من كتب المنطق والفلسفة وأنه دائم الاشتغال بها ورفع المحضر إلى المنصور فلما قرأه أمر بالقبض على مقدمه وسجنه ثم قال واللّه لو شهد جميع أهل الأندلس على ما فيه ووقفوا أمامي وشهدوا على ابن زهر بما في هذا المحضر لم أقل قولة لما أعرفه من متانة دينه وعقلـه.
كانت للحفيد أبو بكر بن زهر أخت عالمة بصناعة الطب تعالج النساء وكان لها بنت مثلها في الصناعة وكانتا تعالجان نساء المنصور صاحب الأندلس. كان لابن زهر شعر جيد منه قولـه يتشوق إلى ولده: ولى واحد مثل فرخ القطاصغير تخلف قلبي لديهنأت عنه داري فيا وحشتيلذاك الشخيص وذاك الوجيهتشوقني وتشوقتهفيبكي علي وأبكى عليهوقد تعب الشوق ما بيننافمنه إلّي منّي إليه.
كان لأعماله أثر كبير في تطور الطب في أوروبا فيما بعد. من مؤلفاته المترجمة إلى اللاتينية؛ التيسير في المداواة والتدبير، وقد وصف التهاب الغلاف الغشائي المحيط بالقلب، وطرائق استخراج حصى الكُلية.
ابن زهر بين المرابطين والموحدين:
لقد عاصر ابن زهر المرابطين والموحدين في الأندلس، وعايشهم مبقياً مسافة كافية بينه وبين سياسات كلتا الطائفتين، فقد كان رفيع المكانة عند المرابطين هو وأبوه أبو العلاء حتى إنه ألف كتاب "الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد والأجساد" ويسمى أيضاً "الزينة" بطلب من أمير مرابطي، ثم علا شأنه عند الموحدين بعدهم. وكان الملوك، وإن اختلفت نظمهم ودولهم، يعلون شأن العلماء، ولو كانت لهم صلات حميمة برؤساء الدول السابقة.
مؤلفات ابن زهر:
لم يَكْفِ عبد الملك أبا مروان ما انتهى إليه من معرفة علمية بالطب، عن طريق والده أبي العلاء، فرحل إلى الشرق ودخل وتطبب هناك زماناً، أي تعاطى علم الطب وعاناه، ثم رجع إلى الأندلس، فقصد مدينة "دانية" فأكرمه ملكها وأدناه، وحظي في أيامه، واشتهر بالتقدم في صناعة الطب وطار ذكره منها إلى أقطار الأندلس.
ثم انتقل أبو مروان من دانية إلى إشبيلية، وظل فيها حتى وفاته وخلّف أموالاً جزيلة.
ذكر ابن أبي أصيبعة من تصانيفه الكتب التالية:
• كتاب "التيسير في المداواة والتدبير" ألّفه للقاضي أبي الوليد بن رشد.
• كتاب "الأغذية" ألّفه لمحمد عبد المؤمن بن علي أمير الموحدين.
• كتاب "الزينة" وهو على الأرجح كتاب "الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد".
• "تذكرة في أمر الدواء المسهل وكيفية أخذه" ألّفه لوالده أبي بكر وذلك في صغر سنه وأول سفرة سافرها فناب عن أبيه فيها.
• "مقالة في علل الكلى".
• "رسالة في علتي البرص والبهق" كتب بها إلى بعض الأطباء بإشبيلية.
• "تذكرة" كتبها لابنه أبي بكر، أول ما تعلّق بعلاج الأمراض.