المرض الوراثي كيف ينشأ
كان اكتشاف البكتيريا فى أوائل القرن الماضى اكتشافا هائلا، ساعد على اجابة، بدت حاسمة فى ذلك الوقت، على سؤال: لماذا نمرض؟ وعندما تم اكتشاف “المضادات الحيوية”، ساد الإعتقاد لدى المجتمع الطبي، فان نهاية المرض قد حلت.
ولكن سرعان ما ظهرت أمراض لا تسببها البكتيريا بل الفيروسات. وسرعان ما تم اكتشاف حقيقة ان هذه الفيروسات لا تعيش على شاكلة واحدة، وانها تتغير بمجرد الانتقال من كائن الى آخر. الأمر الذى يجعل معالجتها امرا عسيرا ان لم يكن مستحيلا. وهنا أدرك العلماء ان أمانيهم بالقضاء على المرض هى التى قضى عليها أولا. ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. وظهر السؤال: كيف نمرض، إذن، حتى من دون وجود بكتيريا ولا فيروسات؟
فى سياق الاجابة عن هذا التساؤل، أعاد باحثون فى المعهد القومى لعلوم الصحة البيئية، وهو جزء من المعاهد القومية للصحة فى الولايات المتحدة، ترتيب تسلسل الحمض النووى فى خلايا 15 سلالة فئران وذلك لمساعدة العلماء فى العالم على فهم خصائص وراثية معقّدة لدى البشر بصورة أفضل لتفسير سر المرض.
وتشكل المعلومات الجديدة المعمّمة، والمستقاة من سلالات فئران أكثر ما تستخدم فى الأبحاث الحيوية-الطبية، مصدرا ثمينا فى تقرير كيف يمكن للعوامل البيئية أن تؤثر فى تطور الأمراض ولماذا يكون بعض الناس أكثر قابلية او عرضة من غيرهم لأمراض معينة.
وقد قام باحثون من مؤسسة بيرليغن للعلوم بولاية كاليفورنيا، بالتعاون مع المعهد القومى لعلوم الصحة البيئية، بتحديد أكثر من 8.3 مما يعرف بالمركبات الحمضية النووية المتعددة الاشكال او: “سنيبس” فى الخرائط الجينية لـ15 سلالة فئران.
ولأن الفئران والبشر يتشاطرون العديد من نفس العمليات السلوكية والبيولوجية الأساسية، ومن بينها وظائف الجينات او المورثات، فإن المعلومات الجديدة هذه ستساعد الباحثين على فهم قابلية البشر الوراثية للإصابة بقرابة 200 داء.ومن هذه الأمراض مرض باركينسون، والسرطان، والسكّري، وأمراض القلب والرئة، والامراض التناسلية، والربو، وغيرها من أمراض تصيب الأطفال، ويؤثر فيها جميعا التعرّض لموّاد فى البيئة.
ويقول مدير معهد علوم الصحة البيئية فى الولايات المتحدة ديفيد شوارتز ان “تعميم هذه المعلومات الزاخرة بصورة مجانية لمجموعة مؤسسات الأبحاث هو منعطف هام. والآن بعد أن تعرفنا على المتغيرات فى الحمض النووى لسلالات الفئران تلك صار بإمكاننا أن نقارن بين التكوين الوراثى لسلالة من السلالات التى تصاب بمرض معيّن وأخرى لا تصاب بنفس المرض”.
ويمكن للباحثين، بعد تسلحهم بهذه المعارف، ان يتعمّقوا أكثر فى نفس العمليات التى قد تتسبب فى إصابة شخص ما بمرض فى حين يبقى شخص ثان فى نفس البيئة خاليا منه.
ويذكر ان تسلسل السلالات الـ15 للفئران بنى على أسس انجازات علمية على مدى عقد من الزمن. ففى العام 2001 استكمل مشروع الخريطة الجينية للفئران وبعد ذلك بعامين استكملت الخريطة الجينية للبشر.
وفى العام 2005 نشر مشروع “هاب ماب” الذى يصنف النواحى الجينية المختلفة والشائعة لدى البشر وأفاد عن التباين المتسلسل بين الأفراد ما أوجد فرصا لوصف خصائص الحمض النووى للفرد وتحديد علاقة الجينات بأمراض معقدة لدى البشر.